يُعد الصوم أحد الأركان الخمسة التي يقوم عليها الدين الإسلامي الحنيف، فيصوم المسلمون ثلاثين يوماً خلال العام في شهر رمضان المبارك، وقد جاءت حكمة الصوم بأن يشعر المرء المسلم بغيره من الفقراء ومدى حاجتهم للطعام، ليُخرج مما رزقه الله عليهم تصدقاً من مال الله ليمنحه خير الثواب، إلا أنه هناك بعض الحالات مثل المرض أو السفر أو وجود عذر قهري يمنع المرء من الصوم في شهر رمضان، ليكون عليه قضاء الأيام التي أفطرها أو إخراج كفارة عنها، ليتساءل البعض هنا متى يكون قضاء شهر رمضان ؟ ، وهل يجوز التصدق بالمال عوضاً عن قضاء أيام رمضان، وذلك ما سنتعرف عليه بالتفصيل في السطور التالية من موقع مخزن المعلومات، فتابعونا.
متى يكون قضاء شهر رمضان
يكون على المسلم قضاء الأيام التي افطرها في شهر رمضان في الوقت المُباح فيه التطوع بالصيام، فجميع الأوقات التي يُمكن خلالها صوم صيام التطوع يُمكن للمرء القضاء فيها عما أفطره من أيام في رمضان، مع الإشارة إلى وجود التي نهى الله عز وجل عن صيامها مثل أيام العيد.
وفيما يتعلق بحُكم قضاء الأيام التي أفطرها المسلم في رمضان السابق في رمضان الحاضر فقد اختلفت فيها المذاهب الفقهية على نحو أمرين، هما:
الأمر الأول : أجمع جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة بأنه لا تجوز صحة القضاء في رمضان الحاضر، وذلك لأن نيّة المسلم محددة لصيام وأداء رمضان الحاضر فقط، وليس قضاء الأيام الواجب عليه قضائها.
الأمر الثاني : بينما جاء رأي الحنفية مخالفاً لجمهور العلماء، حيثُ أشاروا إلى صحة القضاء في رمضان الحاضر، إلا أن الصيام يُجزئ عن رمضان الحاضر وليس عن القضاء، وذلك لأن الوقت المحدد شرعاً في رمضان الحاضر، ولا يلزم فيه على المرء المسلم تعيين النيّة للصوم.
كيفية قضاء الصيام بعد رمضان
اتفق جمهور علماء المسلمين على وجوب قضاء المرء المسلم للأيام التي أفطرها في شهر رمضان، وذلك سواء كان قد أفطر هذه الأيام بسبب عذر شرعي مثل الحيض للنساء أو السفر أو المرض أو دون وجود عذر شرعي ـ مع ترتب الإثم عليه على المسلم ـ ويكون من الأفضل للمسلم التعجيل بالقضاء إسقاطاً للواجب الذي عليه، وإبراءً لذمته من هذا الأمر، مع الإيضاح إلى أن وقت قضاء الأيام التي أفطرها المسلم من رمضان يبدأ عقب انتهاء الشهر الفضيل مباشرةً، وفيما يتعلق بتأخير القضاء إلى موعد دخول رمضان التالي أو رمضان آخر، فقد ذهب جمهور أهل العلم غلى وجوب القضاء مع الفدية، بل قال الشافعية بضرورة تكرار الفدية بمعدل تكرار الأعوام على القضاء، إلا أن رأي الحنفية قد جاء مخالفاً حيثُ قالوا بعدم وجوب الفدية بتأخير القضاء، وإن جاء رمضان آخر فلا يلزم المسلم سوى قضاء الأيام التي أفطرها فقط.
حُكم التتابع في قضاء الصيام
يشير لفظ التتابع في اللغة العربية إلى حدوث الأمر تتابعاً، بحيث تأتي على إثر بعضها البعض دون أن يقطعها شيء، ويُقصد بالتتابع في قضاء الصيام أن يستمر المسلم في قضاء الأيام التي أفطرها في رمضان تتابعاً دون أن يقطعها بفطر يوم ما بينها، وقد جاء رأي أهل العلم في حُكم التتابع في قضاء الصيام على النحو التالي:
- الشافعية : أجاز الشافعية التفريق بين قضاء الصيام على المسلم، وأن التتابع أمراً غير واجباً فيها، إلا أنه أمر مستحب ولكنه ليس واجباً، وقد استدلوا في قولهم هذا بقول الله تعالى:( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فالآية الكريمة لم يُذكر فيها التتابع، كما تضمنت الآية تقليل العدد وإثبات للتخيير.
- الحنفية: أجاز علماء الحنفية أن بقضي المسلم الأيام التي افطرها في شهر رمضان بشكل متفرق أو متتابع، مع تفضيل التتابع، وذلك استناداً إلى حديث النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ (سُئِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن تقطيعِ قضاءِ رمضانَ، فقال: ذلك إليكَ، أرأيتَ لو كان على أحدِكم دَينٌ قضَى الدِّرهمَ والدِّرهمَينِ، ألَم يكُنْ ذلك قضاءً؟ فاللهُ أحقُّ أنْ يعفُوَ ويغفِرَ).
- المالكية: قال المالكية أن التتابع في صيام القضاء مندوب، كتعجيل القضاء وعدم تأخيره.
- الحنابلة: أشار الحنابلة إلى جواز قضاء الصيام متتابعاً أو متفرقاً مع استحباب التتابع، وقد استدلوا في قولهم هذا بما جاء عن محمد بن المنكدر في قوله:( سُئِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن تقطيعِ قضاءِ رمضانَ، فقال: ذلك إليكَ، أرأيتَ لو كان على أحدِكم دَينٌ قضَى الدِّرهمَ والدِّرهمَينِ، ألَم يكُنْ ذلك قضاءً؟ فاللهُ أحقُّ أنْ يعفُوَ ويغفِرَ).
حُكم الفورية في قضاء الصيام
يشير لفظ الفورية في اللغة العربية إلى أداء الأعمال في أقرب أوقاتها قدر الإمكان، بما لا يترتب عليه أي ذم على التأخير، وقد جاء حُكم الفورية في قضاء الصيام محل اتفاق بين جمهور علماء المذاهب الأربعة وذلك على النحو التالي:
- الشافعية: أشاروا إلى عدو وجوب القضاء على الفور، إلا أن التعجيل والمبادرة إلى القضاء مستحباً إبراءً للذمة، خاصةً إن كان الإفطار في رمضان دون عذر.
- الحنفية: جاء رأيهم بعدم وجوب صيام القضاء فوراً، وذلك استدلالاً إلى جواز صيام التطوع قبل صيام القضاء، فلو كان القضاء واجباً على الفور، لما أُجيز صيام التطوع قبله.
- المالكية: جاء رأي بعض المالكية بوجوب قضاء رمضان على الفور وعدم جواز التأخير فيه، إلا أن البعض الآخر منهم ذهب إلى عدم وجوب القضاء على الفور وجواز تأخيره حتى شهر شعبان، مع تحريم التأخير إلى ما بعد شهر شعبان.
- الحنابلة: جاء رأي الحنابلة بعدم وجوب قضاء الصيام على الفور، وأنه يجوز تأجيله مادام لم يأت رمضان آخر بعد، وقد استدلوا على قولهم هذا بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ).
هل يجوز التصدق بدل صيام القضاء
أشار أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية الدكتور محمود شلبي في مقطع فيديو أن أصل الحكم فيمن أفطر أياماً في شهر رمضان بسبب عذر خارج عن إرادته مثل المرض أو السفر أو إفطار المرأة بسبب الحيض، فإنه عليه قضاء ما فاته من أيام فقط دون كفارة، وفيما يتعلق بالإجابة عن حُكم إخراج المال عوضاً عن صيام أيام القضاء لشهر رمضان، فقد أشار إلى أنه يجوز إخراج الكفارة من خلال إطعام شخص واحد مسكين عن كل يوم أو إخراج قيمة الطعام من المال للمساكين، وذلك لمن أفطر في رمضان لعذر أو مرض كأن يكون الشخص مريضاً بمرض مزمن، أو كان مُسناً لا يقوى على الصيام طوال حياته بسبب عذر يمنعه، وذلك لما جاء في قول الله تعالى: في صورة التغابن:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
كيفية قضاء صيام رمضان للمريض
أوضح علماء المسلمين أن تأخير قضاء شهر رمضان إلى رمضان التالي له يكون في حالتين لا ثالث لهما، ومن بينهما المريض، فمن كان مريضاً في شهر رمضان واستمر معه المرض حتى قدوم رمضان الذي يليه، فلا يكون هناك إثم عليه، وفي هذه الحالة يكون على المريض قضاء الأيام التي لم يصمها فقط،، وذلك لقول الله تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، كما أن المسافر الذي استقر في موضعه قبل السفر إلا أنه قد مرّض في شهر شعبان فلا يكون عليه سوى القضاء، وذلك لكونه لم يكن يعلم ما الذي سيحدث له وقام بتأخير قضاءه إلى شعبان.
وفيما يتعلق بأصحاب الأمراض المزمنة التي لا يُرجى الشفاء منها، فيكون على أصحابها الكفارة فقط ويرفع الله عنهم حمّل القضاء، وتكون الكفارة بإطعام مسكين واحد عن كل يوم.